الاثنين، 29 أبريل 2013

الاصدقاء (1)




فى صالة البلياردو, يجتمع الاصدقاء الخمسة حول احدى الطاولات ليتناوبوا اللعب فى مرح وسعادة, وهم (ياسر) شاب اسمر اللون, طويل القامة, نحيف, فى احدى الكليات النظرية, ينتمى الى عائلة محدودة الدخل, وهو الابن الاكبر على صبى وصبية فى عمر الزهور, ومراحل التعليم المختلفة...ووالده يعمل فى وظيفة حكومية بسيطة, ووالدته ربة منزل ........على علاقة حب بفتاة تدعى (رشا) فى المرحلة الثانوية, تقطن بجوار (احمد) صديقه, وهى فتاة وحيدة, وتعيش مع ابيها بعد وفاة امها, وهى خمرية, تتميز بشعرها الاسود الطويل, ولها عينان واسعتان, كل اهل الحى يعطفون عليها بعد وفاة امها, وام (احمد) تعتبرها ابنتها وتراعيها...               
والثانى (تامر) ابيض البشرة, متوسط الطول, بدين, الابن الوحيد لعائلة ثرية, توفر له الكماليات قبل الاولويات, ويدرس فى نهائى هندسة....  ويرتبط بعلاقة حب مع زميلته فى نهائى هندسة, وتسمى (ريهام) خمرية, نحيفة, تتحدث عن اسرتها بانها من الاثرياء, وتتباهى بملابسها الضيقة التى تُبرزمعالم جسدها, وتمشى فى الكلية فى دلال, كأنها نجمة سينمائية, والكثير من الطلبة يتجنبوها لتكلفها ومغالاتها فى لبس الذهب والملابس الباهظة الثمن, وتحرص ان تتعامل مع (تامر) بذكاء ولامبالاة حتى يتمسك بها اكثر..........
والثالث (مصطفى) طويل القامة, ابيض البشرة, عينين عسليتين, وشعر بنى, وهو الاخر نهائى هندسة, من عائلة فوق المتوسط, واخ لبنتين اصغر منه.... ويعتبر كل زميلاته اخوات له ولم يصادف الحب بعد............
والرابع (احمد) خمرى البشرة, عريض المنكبين, ضخم الجثة, يُخيل من اول وهلة انه مصارع, دائم الرسوب, وفُصل من الجامعة, والتحق بمعهد متوسط, ودائم البحث عن عمل يشغل به حياته, كم من محاولة يبدأ فيها ولكنها تنتهى بالفشل, وله اخ اصغر منه, فى المرحلة الثانوية, يحاول امامه ان يكون القدوة التى تساعده على معارك الحياة.... ورومانسى يتعلق بأى فتاة تتحدث معه بلباقة, ويتعلق بها فترة قصيرة, حتى يكتشف انها متعلقة بغيره .......فهو شخص خيالى يعيش فى انتظار فتاة احلامه, التى ترتدى الفستان الابيض, وتعامله برفق وحنان.....
والخامس (شريف) قصير القامة, خمرى البشرة, معتدل الحجم, حاصل على مؤهل كلية نظرية, تجمعه مع صديقه (احمد) نفس الظروف فى البحث عن عمل, لانه ايضا من عائلة محدودة الدخل.... يعمل والده فراش فى مكتب محامى (غير مشهور)....
جمعت الاصدقاء الخمسة هواية واحدة, يفرَغون فيها طاقاتهم, وهى لعب البلياردو, وبعد الانتهاء من اللعب, يمرحون من هنا وهناك لقتل الوقت....
بدأ الملل يتسرب الى نفوس الشباب الخمسة, فقال (شريف) وهو يزفر تنهيده حارقة: مش قادر اتحمل الملل ده ......حياتنا بقت تافهة, نلعب ونسرح فى الشوارع ونرجع ننام ......لازم نعمل حاجة, اهلنا عملوا اللى عليهم, وصرفوا علينا لغاية لما اتعلمنا....
يرد (احمد): انا مكسوف من نفسى وانا بمد ايدى آخد مصروف زى اخويا الصغير....
(ياسر): احنا بندور على شغل كل يوم وفى كل التخصصات, لكن مفيش فايدة......... ايه رأيكم نعمل مشروع صغير مع بعض؟!!!
(تامر):عندك حق يا (ياسر) نعمل مشروع صغير مع بعض ......بس اهم حاجة نخطط له صح.
يرد (مصطفى): تفتكروا  ايه المشروع اللى نقدر نعمله, ويعود علينا كلنا بالربح الكتير؟
يرد (تامر): صالة بلياردو, وملحق بها كافيتريا, ونقسم الشغل فيها فى اوقات فراغنا...
يرد (مصطفى): فكرة رائعة...ندور على مكان, ونحسب المصروفات والتكاليف...   
بعد تفكير يقذف (ياسر): لازم يكون فى مكان وسط بين طبقة الاغنياء ومتوسطى الدخل ......اوعوا تفكروا تعملوا الصالة فى السيدة عيشة مثلا, والا هيضربوكوا بالطماطم البايظة......هههههههه.
بدأ الاصدقاء الخمسة فى البحث فى الاماكن الراقية, وتفاجئوا بالاسعار الباهظة, حتى توصلوا لاقل الاسعار, وبعد ان حددوا جميع المصروفات, وجدوا ان المبلغ اكبر من امكانياتهم, خاصة ان اثنين منهم من محدودى الدخل, وليس لديهما اى دخل ممكن يساعدا به فى المشروع....
فذهبوا جميعا الى والد (تامر) (ادهم ابو العز) فى الفيلا, وعرضوا عليه الامر, فرحب بهم, وبدأ (مصطفى) الحديث: احنا يا عمى درسنا مشروع صالة بلياردو وملحق بها كافيتريا, وحسبنا التكاليف لقيناها فوق طاقتنا, فممكن حضرتك تساعدنا اننا ناخد قرض من البنك, نسدد منه لما المشروع يشتغل .......لان زى ما حضرتك عارف احنا لسه مشتغلناش, والبنك محتاج ضمان؟
يتفحص الاستاذ (ادهم) اوراق الدراسة التمهيدية للمشروع, ويفكر قليلا, ويرد: انا هاقرضكم المبلغ المطلوب من البنك وتردوه ليا بنفس الاسلوب اللى بيتبعه البنك فى الاحوال دى....
نظر الشباب لبعضهم البعض من هول المفاجأة, وهللوا من فرحتهم ب(الله اكبر).
فرد (ادهم ابو العز): بس بشرط ......متشغلش (تامر) و(مصطفى) عن  الامتحانات!!
رد (تامر) و(مصطفى) فى نفس واحد: ابدا... وقت الامتحانات, (ياسر) و(احمد) و(شريف) هيزودوا الوقت بينهم ان شاء الله....
وبدأ الشباب فى تجهيز الصالة مع عمال الدهانات والتوصيلات.....وفى خلال شهر افتتحوا صالة البلياردو, مع تقسيم العمل بينهم, من نظافة وتجهيز الطلبات, وكاشير ومراقبة كاميرات الصالة, وغيره من الاعمال...
نجح الاصدقاء الخمسة فى تشغيل المشروع, بحبهم لبعضهم البعض, واصرارهم على ان يعتمدوا على انفسهم....
استمر النجاح على هذا النحو, حتى جاء يوم حضرت (ريهام) ومعها اثنان على نفس شاكلتها, الملابس الضيقة باهظة الثمن, ويرتدين من الحلى الكثير بدون داعى, وطلبوا ان يلعبوا بلياردو, وبالفعل وفر لهم (تامر) الطاولة, وطلب من اصدقائه ان يرافقهم فى اللعب حتى يكتمل العدد, وعلت ضحكاتهم بطريقة استفزازية!!!
فاقترب (مصطفى) من (تامر), وطلب منه ان يطلب من البنات خفض الصوت لان جميع من فى الصالة ينظر لهن, وبمجرد ان لمحت (ريهام) ذلك, قالت: هو احنا مش بنلعب, لازم نكون على راحتنا .........بنات خالتى هيزعلوا منى كده.......
رد (تامر) مسرعا:لا.....لا خلاص خليكو براحتكو هاجيب لكم عصير فريش...
وعندما ذهب (تامر) لاحضار العصير.....لاحظ (مصطفى) ان شابا اقترب من الفتيات, وتحدث معهن, وكلا منهم كان يدون شيئا ما فى الموبايل, وما ان اقترب (تامر) من الفتيات حتى انصرف الشاب مسرعا!!!
وشربت الفتيات العصير, واستأذنت فى الانصراف, حاول (تامر) ان يوَصلهن لكن اعتذرن له, وانصرفن مسرعين....
شعر (مصطفى) ان وراء هؤلاء الفتيات شيئا غامضا, وغير مريح, فسأل (تامر): هو والد (ريهام) بيشتغل ايه ...وساكنين فين؟
رد (تامر): معرفش, بس واضح انهم من عيلة غنية.......يلا نخلَص شغلنا ونروح لانى تعبان ومرهق...
بدأ الشباب فى انهاء عملهم, وكلا انصرف الى بيته, الا (احمد) طلب من (مصطفى) ان يتجولا بالسيارة, ويذهبا الى مكان ينفسان فيه عن انفسهما من تعب العمل....
فى اثناء السير بالسيارة, مر بجانبهما سيارتان لشباب وبجانبهم فتيات يسيران فى تسابق مع بعضهما البعض, وتصدر منهم ضحكات عالية دون احساس بمن يسير بجانبهم ..........فقرر (مصطفى) ان يتبعهم لشكه فى امرا ما!!!
واخذ (احمد) ينهره من السرعة التى يسير بها قائلا: ليه السرعة دى يا (مصطفى)؟ احنا ملنا ومالهم .........دول شوية عيال معندهمش احساس, ملناش دعوة بيهم.....امشى على مهلك وبلاش تهور....
(مصطفى): متخافش اصل فيه حاجة شاكك فيها وعاوز اتأكد منها!!!
وسار ورائهم من شارع الى شارع, ومن منطقة الى غيرها, حتى استقرت السيارتان امام احدى محلات الملاهى الليلية....
طلب (مصطفى) من (احمد) ان ينتظره بعض الوقت, والا يتبعه, ودخل (مصطفى) بعد الحديث مع الحارس, ودخل وكانت المفاجأة عندما رأى.......
...................يتبع

الأربعاء، 10 أبريل 2013

بائعة الخضار (2)




وحاول الجيران ان يخففوا عن (ام ابراهيم) ما لقيته على يد هؤلاء الغلاظ: الناس دول صيتهم واصل يا(ام ابراهيم), خدى ابنك وسيبى اسكندرية, وروحى اى مكان بعيد, ميعرفوش يوصلولكم, لانهم مش هيسبوكى لا انتى ولا ابنك فى حالكو!!!
ترد (ام ابراهيم) وهى تتألم من الضرب: بكره اروح لابنى فى القسم, واحاول معه ...........يمكن يوافق.
وفى الصباح, ذهبت (ام ابراهيم) الى قسم الشرطة, وحاولت ان تستعطف الضابط ليترك ابنها ....وبعد محاولات كثيرة مع هذا وذاك, سمحوا لها ان تراه وهو محبوس فى غرفة, ومن بعيد, فنادت عليه بأعلى صوت: ياابنى حلنى من الوعد ارجوك ...مش مستحملة اشوفك محبوس كده؟
يرد (ابراهيم) فى لهفة: لا يا أمى استحملى علشان خاطرى ..طول ما احنا ساكتين محدش هيعمل معانا حاجه .........مش ححلك من الوعد حتى لو مت!!!
وفى هذه الاثناء, يحضر الضابط, ويأمر الحراس ان يفرجوا عن (ابراهيم) ويقول: اخرج يلا, روح يا(ابراهيم) مع امك, بس فيه حاجة بسيطة حتعملها قبل ما تخرج تعالى معى.
ترد (ام ابراهيم) فى فرح: الحمد لله .......ربنا يخليك يا بيه.
ساروا ثلاثتهم والحارس الى مكتب سيادة اللواء مأمور القسم, وجدوا امامهم بعد فتح الباب, والد (سوزى) وهو يبتسم فى سخرية, وبجانبه (سوزى) تجلس ووجهها شاحب, ويبدو الارهاق والتعب عليها, وبجانبهم رجل يلبس جلباب وعمه, واندفع (ابراهيم) نحو (سوزى) فى لهفة, وهى الاخرى ارتمت فى حضنه, وقالت: (ابراهيم) مقدرتش اتحمل بعدك اكتر من كده, اعذرنى زى ما انت بتضحى علشانى, اسمح لى انا كمان اضحى علشانك..... وبكت.
رد (ابراهيم): انا كنت جاى خلاص .......افرجوا عنى ....وكنت ......
والد (سوزى) فى حزم: كفايه كلام فارغ ........يلا ياعم الشيخ طلقهم خلينا نخلص من الشبكة المهببة دى, وارجع ببنتى .........واسمع يا ولد يا(ابراهيم) لما تولد, هابعتلك تيجى تاخدهم وتبعد عننا خالص!!!
يرد (ابراهيم): اللى بينى وبين (سوزى) اكبر بكتير من جواز .......وعمرى ما هاقدر اطلقها او ابعد عنها, حتى الموت ميقدرش يفرقنا عن بعض!!!
والد (سوزى): ابعد عنها يلا ..مش عاوز اسمع كلام تافه زيك.
ترد (سوزى) فى استعطاف: ارجوك يا بابى, (ابراهيم) كل حياتى, والموت مش هيفرقنا عن بعض, يا نعيش مع بعض, يا نموت مع بعض .....مش ممكن نبعد عن بعض ابدا!!!
يثور والد (سوزى) ويخرج المسدس, ويهدد ابنته لو لم تطلب الطلاق, هيطلق الرصاص على (ابرهيم) امام عينيها!!!
تندفع (ام ابراهيم) وتقف امام ابنها, وتفرد يديها لتحمى ابنها: اضربنى انا يا بيه, وسيب الاولاد يعيشوا مع بعض!!!......وتندفع (سوزى) وتمسك فى (ابراهيم):لا لو عاوز تموت (ابراهيم) يبقى اضربنى انا الاول!!!
تراجع والد (سوزى) امام ابنته, وتركهم وخرج من غرفة مأمور القسم, وهو يتوعد بان ينتقم من (ابراهيم) وامه!!!
ولم يجد المأمور امامه, الا ان يفرج عن (ابراهيم) وخرج الثلاثة من قسم الشرطة, وهم غير مصدقين هذه الحرية التى اصبحوا فيها...
وعندما وصلوا الى البيت, رحب بهم الجيران واهل الحى, وقضوا ليلتهم فى سعادة...              
وقبل بزوغ الفجر, اقتربت (سوزى) من (ام ابراهيم) وهمست فى اذنيها بكلمات, وفى يدها ظرف: انا حاسه ان بابى مش هيسيبنا انا و(ابراهيم), خدى الظرف ده خليه معاكى ......
تنظر لها (ام ابراهيم) فى اشفاق: ان شاء الله مش هيحصل حاجة, الاب والام ولادهم اغلى حاجة فى الدنيا, متصدقيش اللى شفتيه, ده بس زعلانين منك شويه علشان اتجوزتوا من غير مشورتهم, استهدى بالله يابنتى, وسيبيى الامور على الله ............واخذتها فى حضنها.
ترد (سوزى) فى لهفة وهى تشعر بالألم وتخرج الكلمات فى صعوبة: ارجوكى يا(ام ابراهيم) مفيش وقت, الظرف ده متفتحهوش الا لو حصلى حاجه وحافظى عليه ...   وامسكت بيدها وشدت عليها ..اولادى امانة تربيهم طول ما انتى عايشه, اوعدينى.
ترد (ام ابراهيم) والخوف تملك منها, وكانت تود ان تحدثها بصدق حدثها, لكن كذبت احساسها وقالت: متخافيش دى كلها اوهام وبكره افكرك.
ولم يمضِ وقت طويل, حتى اشتدت الآلام على (سوزى), واندفع (ابراهيم) يحملها الى اقرب مستشفى, وعند الكشف عليها قال الطبيب: الأم  حالتها خطيرة جدا .......ولازم تكون تحت الملاحظة فترة طويلة!!!
ارتبك (ابراهيم) وشعر بالخوف الشديد على (سوزى) ولكن امه كانت تحاول طمأنته والتخفيف عنه, وفى هذه الاثناء حضر بعض من الجيران, معهم بعض من ملابس البيبيهات, ليخففوا عن (ابراهيم) وامه: ربنا يخليهالك, وتشيل ولادك فى حضنك...
ولم تمضِ ايام قليلة, حتى تمت عملية الولادة, ورُزق (ابراهيم) بالتوأم ولد وبنت, ولم تكتمل فرحته بهما, حتى حضر والد (سوزى) الى المستشفى, وهو فى شدة غضبه, عندما علم ان ابنته فى حالة خطرة بعد الولادة, وبدأ اتصالاته لنقلها الى مستشفى كبير فى الخارج لاسعافها, وهو يصرخ فى الاطباء: بنتى لازم تعيش, اعملولها اى حاجة, انقذوها بكل ماتقدروا عليه, لغاية لما توصل الطايرة الخاصة وتنقلها للخارج!!!
لكن امر الله نفذ, وخرج الطبيب يعلمهم بوفاة (سوزى), وانهار (ابراهيم) وبكى كل الحاضرين, وما ان سمع والد (سوزى), اشتاط غيظا, وقامت ثورته, واخرج مسدسه واطلقه على (ابراهيم) وهو يقول: زى بنتى ماماتت, لازم تموت زيها, انت السبب!!!
فالتف حوله الحراس ليمسكوا به, لكن كان تصرفه اسرع منهم, وصوب فوهة المسدس الى قلبه, وقتل نفسه وهو يصرخ: (سوزى) .......(سوزى)
وانتهى كل شئ فى لحظه....... وسلمت المستشفى الرضيعين الى (ام ابراهيم).....
وحملت (ام ابراهيم) الرضيعين, وهى تبكى بحرقة فراق ضناها وزوجته, وما ان وصلت الى البيت, حتى عرضت عليها جارتها ان تهرب بالرضيعين الى القاهرة, فاجابتها: انا معرفش حد فى القاهرة؟!!!
فردت عليها جارتها: اختى (نرجس) عايشه لوحدها بعد جوزها مامات, وانتى عرفاها وبتحبك وهتفرح بالعيال .....وبعدين الهانم دى ست سماويه وممكن تأذيكى و تأذى الصغيرين!!!
اقتنعت (ام ابراهيم) واخذت الرضيعين واشيائها, وعرض عليها (عم دسوقى) سائق التاكسى جارها, ان يوصلها لانه يعرف عنوان (الست نرجس) وكان دائم توصيلها.
كتمت (ام ابراهيم) احزانها, وعزمت على الوفاء بالوعد, وتذكرت الظرف الذى اخذته من (سوزى) قبل وفاتها, ففتحت الظرف وجدت مفاجأة غير متوقعة!!!
انه عبارة عن رقم خزنة فى البنك ومفتاحها, باسم (ام ابراهيم)...
فتأكد  حدثها ...............  ان (سوزى) كانت تعلم جيدا مقدار الشر الذى يكمن داخل عائلتها نحو (ابراهيم)...
وما ان وصلت الى القاهرة, وتخبأت فى زحامها, تملكها شعور المجاهد من اجل هذين اليتيمين, وكانت (الست نرجس) اول من ساعدها على تخطى اى عقبة تقابلها, وعملت فى شركة  لتعبئة الاغذية...
وكلما كبرا الطفلين امامها منحاها القوة والاصرار على تكملة المشوار, واصبح ل(ام ابراهيم) صيت بين جيرانها, ويعملون على مساعدتها فى تربية الطفلين, وكأن الله سخرهم لمساعدتها... 
 ومرت السنون, حتى دخول المدرسة ومن مرحلة الى مرحلة, وهى تبذل قصارى جهدها فى تربيتهما ليل نهار, وكلما ضاقت بظروف مادية تلجأ الى عمل اضافى حتى لاتحرمهما من شئ, وفى يوم توفت (الست نرجس) وحزنت عليها كثيرا, وتملكها الخوف فترة من الزمن, ولكن ربها كان بجانبها فى تسخير اناس اخرين يساندونها فى مهمتها... 
وكبر الطفلان واصبحا شابا يشبه اباه, ويحمل اسمه (ابراهيم ابراهيم) والشابة تحمل وجه امها البرئ وجمالها, ونفس اسمها (سوزى)...
ودخلا معا الجامعة, واعجب معيد ب(سوزى) وطلبها للزواج, ووافقت (ام ابراهيم) وذهبت الى البنك وفتحت الخزنة, واحضرت ما بها من مجوهرات واموال تركتها لهما امهما (سوزى) قبل رحيلها...
ونادت (ام ابراهيم) على الشابين وقالت: ديه امانه ليكم من امكم, ائتمنتنى عليها, واخدت عهد على نفسى انى اقسمها بينكم فى جوازكم, وبكده اكون وفيت بالعهد اللى قطعته على نفسى ليكو.
ووجهت حديثها الى (سوزى): المجوهرات دى هدية امك فى فرحك, تلبسيها وتكون لبنتك من بعدك بعد عمر طويل.
ترد (سوزى): اول مرة اشوف مجوهرات بالشكل ده ........دى جميلة قوى ...قوى يا تيته ........شكرا يا احلى ام, ويا احلى تيته فى الدنيا, ربنا يخليكى لينا...
وتوجه حديثها الى (ابراهيم): اما الفلوس دى كلها بتاعتك تحضر بيها الدكتوراه, وتحقق حلم ابوك فيك, وتكون العين الساهره على اختك...
وفيه حاجة كمان, الشقة دى باسمكم, هدية من (الست نرجس) اللى ساعدتنى فى تربيتكم, تقدروا تبيعوها اذا كنتو عاوزين؟...
يردوا فى نفس واحد: وانتى هتروحى فين يا تيته؟!!!
ترد: هارجع اسكندرية, مكانى اعيش فيه باقى حياتى ........متقلقوش عليا...
تفيق (ام ابراهيم) على صوت (عم عبده): (ام ابراهيم) الشاى برد, انتى ايه حكايتك النهارده سرحانه طول الوقت ...هو انتى تعبانه ولا حاجه؟
ترد: ايوة شوية ........بس الحمدلله انا خلاص هارتاح .........
وكانت هذه الكلمات اخر كلمات تخرج من (ام ابراهيم) ولفظت انفاسها الاخيرة.... .......................انتهت

بائعة الخضار (1)




بجوار مكتب البريد وشركة الاتصالات, تجلس سيده عجوز تجاوزت الستين بقليل, ذات وجه مستدير, به تجاعيد قليله حول الفم واسفل العينين الخضراوين, بيضاء البشره, ترتدى جلباب فلاحى واسع, وتغطى رأسها بشال اسود طويل يخفى معظم وجهها, تسمى (ام ابراهيم) تبيع الخضار, وترص بضاعتها على ظهر  اقفاص فى نظام, الخضار المجهز للتنظيف فى جانب, وباقى الخضار فى الجانب الاخر, وانواع من الفاكهة, ورغم وجودها على الرصيف فى الشارع, لكنها تحافظ على نظافة الخضار والمكان, وتلبى كل طلبات زبائنها, مهما كلفها ذلك من مشقة وتعب, وتتعامل بحب واهتمام مع الجميع...
 تخرج فى الصباح الباكر, تنظف المكان وترص بضاعتها, وتنتظر زبائنها واغلبهم من شركة الاتصالات, وزوار البريد, والعمارات المجاورة, وعند خروج الموظفين يتوجهون اليها, (مدام سعاد): حضرتى لى البتنجان والفلفل يا (ام ابراهيم) اوعى تكونى نسيتى تأورى الكوسة, لحسن (محمد) ابنى  بيحبها اوى؟
تجيب (ام ابراهيم): ايوة يا حبيبتى كل حاجة جاهزة حتى الخضره... ألف هنا.
وبعدها (الاستاذة زينب) شئون قانونية: وانا فين شربة الخضار والكرفس؟
تجيبها: كل حاجة جاهزة وكترت لك الكرفس زى ما قلتى.
ويحضر (الاستاذ مايكل) صراف البريد: كيس ملوخيه, وكيس توم مفصص, لو سمحتى يا (ام ابراهيم)؟
 وكلا يأخذ طلبه بعد ان يشكرها, ويوصيها بان تحضر له غدا شيئا اخر...
وبجانب (ام ابراهيم), (عم عبده) الارزقى رجل فى الستين من عمره, يقف على الرصيف لعمل الشاى, يدارى الوابور بصفيحة قديمة وعدة الشاى بجانبه, وأول كوب شاى ل(ام ابراهيم) التى هى بدورها تتقاسم معه قطعة الخبز المغمس بالجبنه البيضاء....
وايضا (الاستاذ خليل) فى الاربعين من عمره, وورث المحل الصغير عن ابيه, بها ماكينة تصوير مستندات, وثلاجة مشروبات ساقعة, وبقالة بسكويت وشبيسى....
وبجوارهم مكوجى فى مدخل عمارة, يفرش طاولة يكوى عليها للزبائن ........    وكذلك فترينة سندوتشات كبده ومخ, يعمل عليها شاب صغير, اسمه (ياسر) اسمر كثيف الشعر, يرتدى قميص وبنطال, ويستعير من (ام ابراهيم) بصلتين على قرنين فلفل حامى, ويردهم لها فى سندويتش معمر كبده, وتعطيه المشورة فى طعمها.... وكلا منهم ينتظر رزقه من الرزاق فى شوق.....
وبعد ان ينتهى اليوم, ويحل الظلام, يلملم كلا منهم بضاعته, ليخبئها فى الفيلا المهجورة, التى تقع خلف مجلس (ام ابراهيم), ويداريها بالاشجار, اما (ام ابراهيم) تقطن فى الكوخ الخشبى الموجود بحديقة الفيلا المهجورة, بعد ان تغلق الباب الحديدى بالسلاسل والقفل الكبير, وتنام على صندوق خشبى بداخل الكوخ, ومعها بعض الاغراض البسيطة, التى تحتاج اليها من طاولة صغيرة تأكل عليها, وبه حمام ضيق تقضى فيه حاجتها, وبه نافذة تطل على الفيلا, لا تغلقها الا عند نومها, ولا تغلق عينيها كل يوم, الا بعد ان تتذكر ابنها (ابراهيم) وهو صغير, وكانت تصتحبه معها وهى تحضر الخضار, ويساعدها فى رص الخضار, وكان كل من يراه يعتقد انه ابن اصحاب الفيلا من شدة جماله, فكانت تتباهى به وبذكائه, واصرت ان تعلمه حتى لا ينقصه شئ.... تبعد بالذاكرة لتسمع ضحكاته وشقاوته, حتى انه كانت تنادى عليه ابنة صاحب الفيلا (سوزى): (ابراهيم) تعالى إلعب معايا..... وتضحك وترن ضحكاتهما فى ارجاء الفيلا, وكأنهما ملائكة من السماء ........ تتذكر هذه الضحكات, وتبكى وتستغفر, وتدعى ربها, وتغمض عينيها وتستسلم  للنوم...        
(ام ابراهيم) تقطن بهذ الكوخ الخشبى من سنين, وكل من حولها لم يعرف عنها الا انها السيدة الطيبة التى تبيع الخضار لرواد المنطقة, ولم يروها تخرج خارج هذه المنطقة يوما ما....
وفى يوم, استيقظت فيه كعادتها مبكرا مع اذان الفجر, وتسجد الى ربها, وتدعو دعاء متكرر ان يقدرها على الوفاء بالعهد...
وتبدأ فى تحضير الخضار وتنتظر حضور السيارة التى توزع الخضار على البائعين وتأخذ طلبها ........وعندما خرجت من الكوخ وهى محملة ببضاعتها المبيتة من الامس, سمعت صوت يبكى داخل الفيلا المهجورة .........  فتوجهت حذره, وعلى اطراف قدميها, وجدت سيدة عجوز فى السبعين من عمرها, محنى ظهرها وترتدى ملابس سوداء, وترتكز على عكاز, وبجانبها شاب يرتدى بدلة السائق يمسك بيدها من الجانب الاخر .......
فتوجهت لها (ام ابراهيم) بالسؤال: اقدر اساعدك بحاجة يا هانم؟
تدير الهانم برأسها وتجيبها: اه ......مش معقول (ام ابراهيم) ......انتى تانى؟
تجيبها: ايوه يا(ثريا هانم) ...............  (ام ابراهيم) .......
ترد: انتى طلعتيلى من فين؟ دورت عليكى فى كل مكان, حتى بيتك بعتيه, وهربتى بالعيال ......هأمرهم يقبضوا عليكى .......اه ويحطوكى فى السجن!!!
تجيبها (ام ابراهيم): الزمن غير كل الناس ...واللى حصل يهد جبال, وانتى لسه متغيرتيش...اؤمريهم يحطونى فى السجن ....بس بتهمة ايه المرة دى؟!!
وتدير وجهها (ام ابراهيم) وتنوى الانصراف, فتثور فى وجهها (ثريا هانم): استنى خلاص مش بتخافى........قلت لك استنى  مش مصدقة انى هأذيكى!!!
تجيبها (ام ابراهيم) وهى تدير لها ظهرها: اعملى كل اللى عوزاه, فعلا دلوقتى مش بخاف زى الاول, الله يكون فى عونك .........وبعد ان تطلق تنهيده تنظر لها وتقول: بعد ما راح الغالين, مش بخاف الا من اللى خلقنى.....
وذهبت (ام ابراهيم) من امامها وهى تردد: الله يكفى العيال شركم .......
واخذت (ثريا هانم) تتوعد بأذيتها وتحلف بانها لن تترك (ام ابراهيم) تعيش على وجه الارض.
وتجلس (ام ابراهيم) فى مكانها المعتاد, وتنظر على (ثريا هانم) وهى تسير على العكاز, الى ان تركب سيارتها وتنصرف...
ويبدأ الارزقيه يحضرون وتجهيز بضاعتهم, وكل شئ يسير كالمعتاد, الا (ام ابرهيم) التى تذكرت الماضى, ودموعها تسيل على خديها...
تذكرت ابنها الوحيد الذى اصبح شاب طويل القامة, قوى البنيان, ابيض البشرة, عيناه خضراوين مثل امه, كانت تقرأ المعوذات كلما نظرت اليه...
وكانت فرحتها تكتمل كلما وجدته ينظر الى حبه الكبير (سوزى) ابنة الاكابر, وهى الاخرى تبادله هذا الحب, ولم يخطر ببالها ان هذا الحب سيكون سببا فى نهايته!!!
عندما علمت عائلة (سوزى) بهذا الحب الذى نما بين الشاب وابنتهم, اللذين كانا يشبهان بعضهما كأنهما خُلقا من اجل بعضهما, بدأوا فى ارسال بلطجية ل(ابراهيم) يضربوه ويهددوه بالقتل, وكان صيتهم عالى فى منعه من تعيينه معيد, رغم حصوله على اعلى تقدير بين اقرانه بدون اسباب, بعد ان حاول معرفة السبب قال له معيد: لما تحب حب على قدك, ومتبصش لاسيادك!!!
وتذكرت كيف آذوها, وكلما فرشت بضاعتها من الخضار يحضر لها بلطجى من اتباعهم ويلقى بها الى الشارع  ......وكلما تحدثت معهم (سوزى) يبعدوها عن (ابراهيم) بفرض حراس ليل نهار, حتى وصل بهم الامر الى تقييدها, وغلق باب حجرتها عليها!!!
حتى تمكنت من الهرب وذهبت الى بيت (ابراهيم): لازم نتجوز يا(ابراهيم), وباسرع ما يمكن!!!
حاول (ابراهيم) ان يثنيها عن فكرة الزواج السرى, ولكن دون فائدة...
وتزوجا وهربا من بلد الى بلد, كلما عرفت العائلة مكانهما يسرعا بتغييره, حتى فكرت عائلة (سوزى) فى فكرة شيطانية, بأن يوصى بالقبض على (ام ابراهيم) وتلفيق لها تهمة, ويعلنوها فى اجهزة الاعلام, حتى يعلم (ابراهيم) ويظهر ونجحت الفكرة ..............وظهر (ابراهيم) واتجه مباشرة الى قسم الشرطة, ففوجئ ببلاغ من عائلة (سوزى) يتهموه بخطفها وارغامها على الزواج منه, وتقدم والد (سوزى) من (ابراهيم) وهمس فى اذنيه وقال له: طلقها وقولى عنوانها, وانا اخلى سبيلك, واديك مبلغ انت وامك تروحوا فى اى مكان غير هنا .........صدقنى لو ركبت دماغك هاخليك تندم عمرك كله!!!
رد (ابراهيم) بنفس الهمس: اطلقها ازاى؟ وهى مراتى وكل حياتى, وكمان حامل فى توأم بنت وولد, وبعد شهر هاتولد ......لويرضيك انك تحرمنى من عمرى, انا ميرضنيش احرمك من ولاد بنتك!!!
رد والد (سوزى) فى عصبية: يا خسيس ........يا ندل لازم اموتك واخلص من نسبك الزفت ده ..........
فالتف الضباط حول والد (سوزى) وهم يقولون: متعصبش نفسك يا باشا وسيب الامر علينا!!!
وهمس والد (سوزى) فى اذن الضابط: بس قبل ما تعملوا فيه حاجة, خليه يعترف بمكان بنتى الاول!!!
يرد الضابط: اطمن يا باشا ........اقل من 24 ساعة وتكون بنتك عندك...
وانصرف والد (سوزى) وهو يتوعد (ابراهيم) وامه بالتنكيل بهم!!!
ونادى الضابط على (ام ابراهيم) وهو يقول لها: هاسيبك مع ابنك شوية, تعرفى عنوان بنت الباشا وتقولى لنا والا .........انتم عارفين.
جلست (ام ابراهيم) بجانب ابنها واخذته فى حضنها, وعرفت مكان (سوزى) ولكن وعدت ابنها: اوعدينى يا امى متعرفهمش عنوانها مهما حصل ........احلفى برحمة ابويا ..........ولو حصل لى حاجة, تربى اولادى لغاية ما يوصلوا لبر الامان...
ردت امه: اوعدك يا ابنى  .......وربنا مايورينى فيك مكروه ابدا...
وحضر الضابط: ها يا(ام ابراهيم) ابنك حط عقله فى راسه, وقالك على مكان بنت الباشا؟
(ام ابراهيم): ابدا يا باشا ماقلش حاجه .........وبعدين ياابنى لو حد عمل كده معاك, كنت هتعمل زى ابنى وتدارى على مراتك ..........ياابنى وحياة ولادك تسيبوه يروح لمراته, لحسن على ولادة وحرام تقعد لوحدها.
رد الضابط: روَحى يا(ام ابراهيم) دلوقتى .........واحنا هنحاول نصالحه على الباشا ويحصلك.
انصرفت (ام ابراهيم) الى بيتها, وما ان فتحت باب بيتها, حتى وجدت اثنين من الرجال الاقوياء, غلاظ الوجه والبنيان, امسكا بها من الجانبين واصبحت وجها لوجه امام (ثريا هانم) والدة (سوزى) وهى فى عنفوانها وجبروتها, وكانت تعرف (ام ابراهيم) ان هذه السيدة لا تنظر لهم على انهم بشر مثلها, ولكن هم اقل منها بكثير, ففزعت من رؤيتهم وقالت لها: ليه كده يا(ثريا هانم)........الاولاد بيحبوا بعض وعايشين مع بعض فى سعاده وهنا ............وكلها ايام هتكونى جده يتنططوا حواليكم ........ارجوكى دى بنتك الوحيده متحرمهاش من حنانك؟
ترد فى كبرياء: اخرسى ....مش ناقصنا الا اولاد جرابيع, تخلفهم بنتى انا بنت الحسب والنسب, من ابنك انتى يا بتاعة الخضار .....انطقى فين بنتى اللى خطفها ابنك, والا هاموتهولك واخليكى تندمى العمر كله عليه؟
ترد (ام ابراهيم) فى فزع وهى تخبط على صدرها: يا ساتر يا رب ......ليه كده دا احنا كلنا من اب واحد وام واحده وهنقابل كلنا رب واحد؟!!
ترد (ثريا هانم) على كلام (ام ابراهيم) باشارة للرجلين الغلاظ بضربها, وبالفعل بدأوا ضربها, حتى تجمع الجيران وحاولوا ان يخلصوا (ام ابراهيم) من ايديهما, فتركوها وأمرتهما (ثريا هانم) ان يسبقاها الى السيارة, وهى تتوعد (ام ابراهيم) بانها لن تتركها هى وابنها, الا بعدما يعيدوا لها ابنتها (سوزى)!!!
...........................يتبع