الأحد، 17 نوفمبر 2013

وداعا..........صديقى



فى حى شعبى متواضع فى ميدان السيده زينب, تعلو اصوات الباعة لمختلف الاصناف والاشكال من خضر, وفاكهة, وبلاستيكات, ولعب اطفال, وقد اعتاد سكان هذا الحى على مثل هذه الاصوات, واحيانا الشجار بين بائع واخر .......واطفال يلعبون هنا وهناك ,واصوات سيدات يتحدثون باصوات عالية, كل هذا كان معتاد عليه وطبيعى بين المترددين على هذا الحى........
كان من بين سكان هذا الحى, شابان متلازمان كأنهما توأم ..الأول  (جلال)  متوسط الطول, ابيض البشرة, يعمل مراسل لقناة اخبارية, وحيد على بنتين, الكبرى  متزوجة وتقطن فى مدينة بورسعيد, والصغرى فى المرحلة الثانوية, ومرتبطة عاطفيا مع صديق اخيها.... التى اعتادت على وجوده بينهما \دائما, والثانى (جمال) فى نهائى طب جامعة القاهرة, ويقطن فى نفس الحى خمرى اللون, يحمل الملامح المصرية الاصيلة, طويل القامة, عيونه سوداء جميلة, فقد امه وهو صغير فى سن الطفولة بسبب المرض اللعين, وتركه ابوه فى رعاية جدته وعمته, وتزوج من اخرى وانجب اخوين اخرين له, لم يعرف له اهل غير عائلة صديقه (جلال), فاعتاد ان يلقب (ام جلال) بلقب امى من صغره, وهى الاخرى كانت ترعاه وتهتم به كاهتمامها بابنها (جلال), فكانت تحدث ابنها (جلال): هذا لك وهذا لاخيك (جمال).......  
وفى اثناء اجتماع الاصحاب معا على القهوة المجاورة للبيت, سمعا ان الشباب ينظمون التجمع فى ميدان التحرير يوم الخامس والعشرين من يناير, للقيام بثورة ضد النظام فقررا الذهاب والمشاركة........
 يوم 24  يناير اجتمع الشباب على القهوة, وقال (جلال): الموضوع مش هزار يا شباب التجمع ده ليه ابعاد سياسية حقيقية المرة دى مصر كلها نازله, عندنا امر بالتصوير من النهارده, المرة دى مصر هى اللى بتتكلم ولها مطالب ولا تراجع عنها مهما حصل دمنا فداء مصر......
رد الشباب فى صوت واحد: لا تراجع ولا استسلام دمنا فداكى يا اغلى شئ فى الوجود, يلا بنا كلنا ايد واحده على التحرير رايحين.......
يوم 25 يناير
امتلأ ميدان التحرير عن بكرة ابيه من الصباح الباكر من كل الاطياف, حشد هائل من شباب الجنسين وكبار السن والحرفيين ورجال الاعمال كلا يهتف فى صوت واحد (عيش ..حرية ..عدالة اجتماعية) ..(لا..لا للتوريث) ........(ارحل .....ارحل) هتاف يزلزل الارض واعلام ملأت الميدان تصرخ ارحل واتركنا ايها النظام الفاسد ........ذلتونا ......حرمتونا من لقمة العيش......وبدأ الامن يستخدم وسائله المعروفة من خراطيم المياة الباردة ......قنابل الغاز المسيلة الدموع ...والكر والفر من الجانبين .......وكلما زادت وسائل التعذيب والبطش تعالت الهتافات: مش هانمشى,هو يمشى...............
وكل ثانية يزداد اعداد المتظاهرين من جميع المحافظات كلا يحمل مظلمه يهتف بها.....
وتطوع (جمال) فى المستشفى الميدانى للميدان, الشاب بجانب الشابة اخته, والمسيحى بجانب المسلم, والشيخ بجانب القسيس, يرفعون الهلال بجانب الصليب.... وفى اوقات الصلاة يصلى المسلمون جماعة ويقف المسيحيون حولهم لحمايتهم.... حقا انها ثورة شعب باكمله ضد الظلم ......والفساد والتوريث ...والبطالة التى اصبحت فى كل بيت ..........ضد كبت الحريات .....كلنا مصريون ....كلنا احرا ر.....
وكان (جلال) يراسل القناة من اعلى فى المبنى المقابل للميدان, وينقل الاحداث اولا باول ومعه مصور ينقل انتهاكات الامن.............وقلوب المصريين تنزف دما على ارواح  شهداء الثورة ...مات (احمد) بجانبه (مايكل) ....ماتت (سارة) وهى تحتضن (مريم) .....آه ......وألف آه .......على اللى ضحوا بارواحهم من اجل مصر تعيش حرة...........عيش ,حرية , عدالة اجتماعية........
وسقط النظام وقبض عليهم جميعا, وانتهت الاحداث بالمطالبة بالقصاص لارواح الشهداء, ورجع اغلب الشباب الى بيوتهم, وعاد (جلال) الى عمله, وعين (جمال) فى مستشفى استثمارى كبير وكانت فرحة كبيرة بين اهل الحى......
لكن للاسف لم يعد (جمال) كعادته كما ذهب الى الميدان, فبدأ يتهرب من (جلال) واهله بكثرة العمل, حتى ظهرت عليه بعض التغيرات  من تربية الذقن وكثرة الكلام عن الحلال والحرام والجنة والنار والسمع والطاعة الى سيده, وحث الشباب على اختيار الرئيس (مرسى) رئيسا للبلاد, وعندما يقابل اى استياء او رأى آخر يعترض بشده ويتطور الامر الى مشاجرة تنتهى احيانا بالعنف او التهديد بما لايحمد عقباه......حتى بدأ اغلب  اصدقائه يتجنبه لاتباعه لجماعة الاخوان......
وفى يوم حضرت عمته تبكى الى بيت (ام جلال) وتقص ما دار بينها وبين   (جمال) قالت: حضر (جمال) بعد صلاة الفجر كعادته, ورآنى نائمة فأيقظنى ونهرنى لأنى لم اصلى الفجر ورمانى بأنى كافرة لتركى صلاة الفجر, وان ما اتعلل به من اسباب كبر السن والمرض ما هو الا شيطان تملكنى, وسبنى بأفظع الشتائم, وعندما رددت عليه بانى التى ربته بعد وفاة امه, وانقطعت عن الزواج بسببه ووجدت فيه ضالتى وهى الامومة التى افتقدتها فى زواجى الذى لم يدم لانى عاقر فاجاب بانه عقاب لى من رب العالمين وانه يلعن اليوم الذى جعل تربيته على يد امرأة كافرة مثلى رغم انى لم اترك يوما فرض وحججت الى بيت الله فكيف اكون كافرة.......
سمع (جلال) كل مادار بينها من حديث مع امه فاندفع الى حضنها وقال: لا تحزنى يا اماه فأنتى أمنا جميعا والأم الحقيقية هى التى ربت وسهرت الليالى, اطمئنى سيعود الى ما كان عليه وسيحضر اليك يطلب غفرانك وبكوا جميعا فى احضان بعضهم......
ذهب (جلال) يبحث عن (جمال) حتى وجده فى المستشفى ودار الحديث بينهما: سألت عليك عند ماما (فاطمة) عمتك ولم اجدك ورأيتها تبكى بحرقة لما دار بينكما من حديث.............
اجاب: لا تذكرنى بهذه الكافرة ولا تذكرها بقول ماما مرة اخرى ...فأنا
اكرهها ولا اطيق سماع اسمها حتى لا ادخل بسببها النار.....
: اذن انت تعلم انك ستدخل النار لما اسمعتها من كلام يحاسبك عليه الله, نسيت انها امى مثل ما هى امك التى ربتنا سويا مثلما ربتنا ايضا امى, من اعطاك الحق فى تكفيرها انسيت ان هذا هو حق رب العالمين........
: يا لك من ساذج ألم تعلم ان من ترك الصلاة بغير عذر فهو كافر .....هيا معى الى المسجد لتسمع وترى بنفسك قول سيدنا الذى يعلمنا الدين على اصوله, هيا اتبعنى فان الصلاة وجبت الآن .....
تبعه جلال ليرى اخر لما حدث لصديق عمره على يد هذه الجماعة, فوجد كل من يدخل المسجد ينحنى ليقبل يد الشيخ الجالس عند قبلة المسجد, فأشار اليه (جمال): هيا تقدم لتحصل على البركة من سيدنا هيا يا رجل.... تقدم (جلال) من الشيخ وسلم عليه دون ان يقبل يده, فكشر الشيخ عن انيابه وسأله: ما اسمك يا بنى؟ وماذا تعمل؟ اجلس اولا .....
:اسمى (جلال) واعمل مراسل فى قناة اخبارية
:يبدو ان اسلامك ينقصه الكثير ........ابقى معنا وستكسب الكثير مثل اخيك (جمال) وصدقنى العمل مع القنوات العلمانية فيها خسارة كبيرة للشباب امثالك, كن معنا فى قنواتنا الدينية التى تمولها الجماعة.......
يرد (جمال): ربنا يبارك لنا فيك يا سيدنا ..........اكيد هيكسب اكثر من بركة دعاك لنا ...ويهديه على يديك يا سيدنا.....
واقاموا الصلاة وبعدها بدأ الدرس الدينى للشيخ الجليل, وانتهز (جلال) الفرصة وفتح المسجل ليسجل كلام الشيخ وحتى لا ينكشف امره وضع المسجل فى الجيب الصغير للقميص, ولما انتهى الدرس اندفع الموجودون ليكبروا ويحملوا الشيخ على رؤوسهم كأنهم مأمورين .........ويقبلونه فى رأسه ويديه, وهنا تمنى (جلال) لو كان يستطيع التصوير بكاميرا الموبايل لكن خشى ان ينكشف فأشار الى (جمال) وقبل ان يغادرا المسجد, سمعا صوت الشيخ وهو ينادى عليهم فسحبه (جمال) من يده وهرول نحو الشيخ: السمع والطاعة سيدنا .....
:فكرت فى تركك العمل مع العلمانيين يا(جلال) ليعتقك الله من النار ...انا  اريد لك الخير  يا بنى رحمك الله ...........الاجر سيكون مضاعف معنا باذن الله ........فى انتظارك يا بنى لينير قلبك بالايمان .............يومأ (جلال) برأسه ويبتسم وينصرفا هو و(جمال)......
يحادثه (جمال) قائلا: ارأيت التقوى والايمان التى يتحدث بها سيدنا ........
:انا مضطر انصرف الان لموعد معى ولنا لقاء اخر ان شاء الله
وانصرف (جلال) الى عمله سريعا, ليفرغ ما قام بتسجيله, وهناك انعقد جلسة عمل بينه وبين رئيسه واخرين واتفقوا ان يمنحوه تسجيل وكاميرا صغيرة لتسهيل مهمته ومجارتهم حتى يكشف ما ورائهم..........
وتكررت مقابلاتهم مع سيدنا الشيخ وقام (جلال) بتسجيل اكثر الاحاديث التى تدين الجماعة وتكشف مخططها فى الاستيلاء على الحكم وعندما اكتملت التسجيلات والصور اذاعوا هذا المخطط والصور على الملأ وتزامنت مع صدور الدستور, وعرف (جمال) ان المتسبب فى هذه الفضيحه هو (جلال) وقناته الفضائية, فذهب وتشاجر معه وعنفه بشدة, وحاول (جلال) ان يثنيه عن هذه الجماعة لكن اتهمه بالكفر وانضمامه الى شلة الفلول التى تتبع النظام السابق, وكاد (جمال) ان يصيب (جلال) بضربة قوية لولا تدخل اهل الحى, وتوعده بأن الجماعة لن تتركه فى حاله على خداعه لهم وانصرف...........
وخرج (جلال) يصور التظاهر السلمى للشعب المصرى ضد الدستور فى شوارع مصر الجديدة والاتحادية واطلقت طلقات غادرة اصابت (جلال) فى مقتل وهو يؤدى واجبه نحو الوطن فى شهامة وعزة نفس........
وعلم (جمال) بمقتل صديق عمره, ورأى القاتل وهو يتفاخر بأنه هو من قتل هذا الجاسوس العلمانى المتآمر ...........وهنا فقط افاق (جمال) على اصوات الصراخ والبكاء واخذ يضرب رأسه فى الحائط, واصبح خيال (جلال) لا يفارقه ليلا او نهارا, ولم يستطع  ان يقف على قبره مثل بقية الشعب المصرى الذى اعتبره بطل ........وهنا قرر ان يقتص ممن قتله, وانتهز اول فرصة للتظاهر فى احداث المقطم واخذ السلاح النارى واندفع يطلق النار عشوائيا على القتلة فصوبوا الطلقات على (جمال) واخذ يردد الشهادة وقول وداعا ...........صديقى واخى...