بعد يوم شاق وطويل, اغمضَت (نوال) عينيها, (وهى فى العقد الخامس من العمر,
طويلة القامة, بدينة القوام, بيضاء البشرة, ذات وجه ملائكى), حيث كانت الدموع تذرف
من عينيها, وتنساب على وجنتيها, وهى مستغرقة فى نوم عميق, لا يشعر بها زوجها (اكرم),
فهو (فى العقد الخامس, طويل القامة, خمرى البشرة, نحيف القوام) رغم انه يقاسمها فى
فراش واحد, الا انه مستغرق فى النوم العميق....
تتذكر (نوال) ايامها الاولى فى المدرسة الثانوية المشتركة, وهى تقف فى
طابور الصباح, فترى من ينظر لها من الشباب على الجهة المقابلة, لاستمالة قلبها نحو
احد منهم لكنها كانت صامدة, حتى جاء يوم وجدت شاب يحاول بشتى الطرق لفت انتباهها, عن
طريق الصوت العالى بمجرد العبور امام فصلها تارة, او يلاحقها فى رمى الكرة اليها وهى
تلعب مع زميلاتها تارة اخرى, او الدفاع عنها امام شابين حاولا معاكستها وهى فى
طريق العودة من المدرسة وانتهت بعلقة ساخنة كانت من نصيب (اكرم), الذى تعرفت عليه
بعد جميع محاولاته للتعرف عليها, ونجح فى الثانوية لانه كان يسبقها بعامين, الا
انه كان شديد الغيرة عندما كان يوصلها فى الذهاب والعودة من المدرسة....
تتنهد تنهيده طويلة وهى نائمة ثم تُكمل ذكرياتها ....فترى فى منامها انها تسبح
فى بحر عميق, تضرب بيديها يمينا ويسارا, حتى رأت من بعيد انوارا مضيئة بكل الالوان,
وله شكل كالقصر, فاسرعت فى لهفة حتى وصلت, وطرقت باب هذا القصر, ففُتح الباب ولم
تر من فتحه, كأنه باب سحرى, فدخلت, فوجدت اشكالا والوانا من التحف النادرة,
فابتسمت فى فرح: هذا بيتى, هذا مكانى .........سمعت صوتا من ورائها: قفِ انه بيتى
انا .....انا ملكة هذا القصر........
وجدت امرأة تشبهها فى كل ملامحها, وتتوج نفسها بتاج من الذهب الخالص وبه
جواهر تُضئ بكل الالوان.........
وجهت نوال سؤال للملكة: انتى (نوال)؟ .......انتى تشبهيها فى الشكل فقط......(اكرم)
زوجك, اتذكر يوم زفافكما, كنتى تشبهين
الملكة فى فستانك والتاج الذى توجتى به نفسك, (اكرم) هو الذى اختاره لكى, وقال
ستكونين ملكة حياتى القادمة, ربنا يقدرنى ابنى لكى قصر عالى, وتعيشين فيه كالملكة
المتوجة, وانه سيحقق كل احلامك, اتذكر ان كل الاهل والاصدقاء كانوا سعداء بكما,
اتذكرى ........كنتما اسعد زوجين, كان يحضر من عمله ملهوف, ويأخذك فى حضنه الدافئ,
ويلف بكى, وكنتى تشعرين انكى كالطير فى السماء الصافية ...آه من الذكريات ......اتذكرك
جيدا لم تتركى احدا يفسد عليكما سعادتكما, حتى اولادك كانوا فى كفة, وهو فى مرتبة
عالية, اعجبتينى فى تخطيكى كل الصعاب معه..........تصمت برهة وتعيد تُكمل حديثها....
لحظات السعادة فى حياتك معدودة ......اهملك زوجك من كثرة مشاغله, وعودته الى البيت
اشبه بحياة الفنادق, يعود للنوم واختلاس وقت قصير للراحة, تتجنبيه انتى اولادك من
شدة العصبية التى يعود بها.... انا معكى ان الحياة اصبحت صعبة ومتطلباتها كثيرة.......
حقا كنتى تحاولين ان تدمجيه معكم انتى واولادك فى فرحكم ومرضكم وحزنكم, لكن هيهات
.......كان يتعامل معكم كالضيف على مائدتكم, اولادك (هيثم) الكبير (نحيف القوام,
ابيض البشرة, عيناه عسليتان, شعره بنى) متزوج وله ابن عمره ستة اشهر, يحضره لكى كل
يوم لانه هو وزوجته (دينا) يعملان, فيعطيه لكى من عند الباب كل صباح من غير ولا
كلمة, ويعود اخر اليوم يأخذه بملابسه النظيفة ومعه وجبة الغذاء التى طلبها منك, كيف
قمتى بطهيها, ليس مهم.......... تعبتى ليس مهم ..........المهم الطلب جاهز.... مع
السلامة .........هو الاخر نسى تعب السنين .......فرحتك به وهو طفل صغير .....وهو
شاب يافع .....اه من الاهمال, نسيت يا ابنى وانا احملك فى عز تعبى, مثلما احمل
ابنك اليوم ...اعرف يا ضناى انه لم يكن لديك وقت من كثرة الشغل, والسعى على الرزق,
لم يكن لديك وقت لقضائه معى.....
وبنتك (نسمة) (خمرية البشرة, متوسطة الطول, بدينة القوام) فى الجامعة لا تحب
ان تساعدك فى اعمال البيت, ودائما اما نائمة, او تشاهد التلفزيون, اواللاب توب, او
فى الجامعة .........نادرا ما تأكل فى البيت, تعشق الأكلات السريعة......
والبنت الصغيرة (رنيا) (صبية بيضاء البشرة, شعرها بنى, متناسقة القوام) فى
المرحلة الثانوية, تحبك وتفنى نفسها لارضائك, وتفضلك على ابيها .........أليس
كذلك؟
تنظر لها الملكة فى تعجب وتبتسم......وتقول: اجيبينى.......(اكرم) هو حب
حياتك توجك ملكة اول ما تزوجك...لكن بعدما انجبتى (هيثم) بسنة, اخذ فى التغير
رويدا رويدا, يتعصب عليكى فى الفاضية والمليانة, رغم انى شفتك عمرك ما قصَرتى فى
حقه عليكى....... اهتم بعمله وترك لكى تربية الاولاد, اصبحتى مسئولة عنهم وعنه فى
كل شئ, حتى فى مرضهم كان يمر زوجك مرور الكرام, وانتى مسكينة تمرضى وتستذكرى
الدروس معهم, وتسهرى طوال الليل, وهو فى الصباح يسلم عليهم وهم فى طريقهم الى
الامتحان: اكتبوا الكلمة دى وافتكروا المعنى ده....
وعند النجاح ينسبه لنفسه .......انه هو السبب فيه.......لانه اعطى تعليماته
لهم بالمعنى المفيد...
ولولاه لما نجح الاولاد .........كنت اشوفك توصلين الاولاد الى النادى فى
الاجازات, وتحضَرين الطعام وتذهبى لتطعميه طعام الغذاء فى البيت, ثم تعودى للاولاد
مرة اخرى..... والآن .........
تنظر الملكة لها: دلوقتى ايه ............كملى انا اسمعك...
تكمل (نوال): من يشعر بكى غير ابنتك (رنيا) الصغيرة..........هيا اتركى
مكانك انتى لست ملكة, انا الملكة............
تنظر الملكة اليها, وتطلق ضحكة عالية, وتترك (نوال) فى مكانها, ويحضر من
يخرجها لم تتبين اشكالهم, وتحاول جاهدة ان تتشبث بشئ يعطيها الثبات داخل القصر
والوصول الى الملكة لكن ........كل محاولاتها باءت بالفشل, وخرجت (نوال) مهزومة من
القصر, وهى منكسرة, محنية الرأس, وتتساقط دموعها وتختلط بماء البحر........
تفزع (نوال) من ضجة تهز كيانها وتنتفض..... ما هذا الضجيج.... انه المنبه يُوقظها
لتبدأ عمل اليوم الجديد.... تسمع زوجها (اكرم): اقفلى صوت المنبه المزعج ده يا(نوال)....
ترد (نوال) فى لهفة: حاضر ........حاضر .........اسفة على الازعاج
..............
يلا يا(رنيا) معاد المدرسة...............
...........................................انتهت
ملحوظة: الحياة مليئة بامثال (نوال), نتقابل معهم ويعيشون بيننا, ولكن يا ترى
هل ستستمر الحياة بهم هكذا........ام ستتغير .......والتغيير سيكون إلى
الاسوأ ام الى الافضل؟ بماذا تنصحون (نوال)؟ تستمر؟ ام تهرب الى نصيب اخر؟